الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في آخر حوار له مع "الجمهورية": هذا ما كشفه المخرج الطيب الوحيشي عن السينما والثورة ومسيرته

نشر في  22 فيفري 2018  (10:35)

فقدت الساحة الثقافية مساء الاربعاء 21 فيفري المخرج السينمائي الطيب الوحيشي عن سن يناهز الـ 70 سنة، مخرج خلف وراءه عديد الأفلام الطويلة والقصيرة ومسيرة حافلة بالتتويجات ورغم ما كان يعانيه من اعاقة، فان فقيد الفن السابع صارع مرضه وهزمه وقد لنا جميعا درسا في الحياة ..

ونشير الى أنه كان لموقع الجمهورية حوارا مطولا مع الفقيد كنا قد أجريناه معه اثر مشاهدة فيلمه الطويل "طفل الشمس"، ندعوكم للاطلاع عليه كما نشرناه

الطيب الوحيشي: أهديت تونس أول تانيت ذهبي ولم أعد أبحث عن التتويجات

الطيّب الوحيشي هو ذلك المخرج الذي يهزمك ويشعرك بضعف كلّ من حولك، لأنّه وببساطة رفض الاستسلام للمرض وانتصرت فيه إرادة الحياة، هو الرّجل الذي حوّل من ضعفه مصدر قوّة فأقبل على الحياة وواصل ابداعه غير عابئ بكرسيه المتحرك.. انتصر على ألمه وواصل مشروعه السينمائي الذي انطلق قبل 37 سنة وكيف لا يكون بهذه القوّة وهو الذي اهدى تونس أول تانيت ذهبي في تاريخ السينما التونسي بفيلم «قريتي.. قرية بين القرى» لتتالى الأعمال والتتويجات ومعانقة الابداع بـ«عرس القمر» و«أهل الشرارة» و«رقصة الرّيح» وآخرها «طفل الشمس».

هذا الفيلم الذي يعرض حاليا بقاعات السينما رسالة واضحة من الطيّب الوحيشي لحبّ الحياة والحرية للتمسّك بالهوية وبجذورنا، قصّة بسيطة في ظاهرها محمّلة بالهموم والمشاغل في باطنها، «فيانيس»  ذلك الشابّ الأوروبي ذو الملامح الافريقيّة لم يتحوّل الى تونس بحثا عن والده الذي لا يعرفه أو لاثبات النسب فقط، بل بحثا عن جذور وارض ينتمي اليها ومرجعيّة يتشبّث بها وهي حال شباب اليوم الذي حلم بالحرّية والأمان لكنه فوجئ بواقع مغاير وبضياع حلمه وتشتّت أفكاره وكعادته يبحث الطيّب الوحيشي عن الفضاء الشّاسع، عن الصحراء، عن الآخر...


بعد مشاهدة فيلم «طفل الشمس»، تحوّلنا الى منزله الكائن بالضاحية الشمالية وفي ركنه المفضّل داخل بيته الذي يعبق فنّا وابداعا دارت بيننا هذه الدردشة...
«طفل الشمس» فيلم في ظاهره اجتماعي وفي باطنه سياسي بحت، هل توافق هذا الرأي؟
ـ ملاحظتك في محلّها فأنا لا أريد الركوب على الأحداث، في الآن ذاته تحدثت عن عديد المواضيع الآنية وطرحتها في قصة بسيطة على غرار مسألة الهوية والفوارق بين جهات البلاد من المناطق المنسية إلى الأخرى التي  تلقى كل الاهتمام كما تطرّقت الى دور المثقف ووضعيّة الشّباب الذي بات يعاني من الحيرة واليتم في بلاده، شباب عجز عن ايجاد مكان له في خضم الثورة وما انجرّ عنها من تجاذبات حيث انّ شباب تونس اليوم وسط التقلّبات الحاليّة لم يعد يشعر بالراحة ولا بالأمان، وهو ماجعل أحلامه تتبخّر تدريجيا، كما يطرح الفيلم وضعية المجتمعات العربية اليوم هذه المجتمعات التي خيّرت الصمت والخنوع وسلّمت  كلّ حقوقها.
مشكلة اثبات النّسب والهوية، هل باتت فعلا ظاهرة في تونس؟
ـ في البداية اشير إلى انّ السينما هي فرجة وتأثير وقليل من التفكير، لذلك أدعو المتفرج الى مشاهدة الفيلم ثم فليكن لكل واحد تأويله الخاصّ، من جهة أخرى انا اعتقد ان ابرز المشاكل التي يعاني منها شباب اليوم هي مشكلة الهوية، فشباب اليوم بات عاجزا عن ايجاد مرجعية يعود اليها، وهنا نتحمل جميعنا المسؤولية لذلك علينا العمل بجدّ على استرجاع «تونسيّتنا» وهو ما دفعني الى اظهار صورة الشابّ المحبّ للحرية وللحياة وللحبّ والفضاء الشاسع وهي الصورة التي نريدها لا صورة الشباب الارهابي ولعلّ ما دفعني الى تصوير الصحراء في الفيلم هو رمزية هذا الفضاء الذي كان يعبّر عن الحرية فصار رمزا للارهاب ولتصحّر الافكار والفراغ.
هل للطيّب الوحيشي، علاقة شخصيّة بأحداث هذا الفيلم؟
ـ لكلّ أثر فنّي  علاقة شخصيّة بمبدعه وفي فيلم «طفل الشمس هناك 3 علاقات أولها بطل الفيلم المقعد وبالتالي كل من يشاهده سيقول ان المخرج يتحدّث عن نفسه خاصّة انّ البطل صار مقعدا بعد تعرّضه الى حادث مرور اما العلاقة الثانية، فهي الشعر الذي تمّ القاؤه في بداية الفيلم، هو في حقيقة الأمر شعر كتبته ابنتي اثر تعرّضي الى حادث مرور وقد قدّمته كما هو وثالثا صوت الحادث وهو نابع من تجرية شخصية عشتها.. عموما يجب على كلّ فنان او مثقّف او مخرج ان يكون حاضرا في عمله بأفكاره وتجربته وأحاسيسه وهذا ما أحاول القيام به فأنا أسعى الى تخطّي الفرد والوصول الى المجموعة وتحريك الساكن فيها.. ختاما قصّة «طفل الشمس» لا تشبهني لكنّها تأخذ من معاناتي الفكرية والفنّية.
تعاني تونس اليوم من العنف والارهاب ومحاولة ضرب مدنية الدولة، في المقابل نرى انّ فيلمك في واد آخر؟
ـ الثورة لم تكتمل بعد ومازلت في فترة مخاض، وبالتالي كيف تريدونني ان أتمعّن فيها وأركب عليها، والقاعدة تقول انّه لا يجب التعامل مع اي حدث في أوانه.. فأنا كتبت سنة 1983 قصة «مرايا الشمس» والتي تحدثت فيها عن فلسطين أيام الصمت، كما كتبت في نفس السنة قصة «قابس.. الواحة والمعمل» واذكر انّه وقع تهديدي بالسّجن اثر كتابة تلك القصة وبالتالي أنا لم أخف أيام الجمر لأخاف اليوم، ولكن ما جعلني لا اكتب عن الثورة هو انّها لم تكتمل بعد كما اخبرتك وانا لا أريد ان أخرج في صورة البطل كما يفعل الكثيرون اليوم في البرامج التلفزية خلاصة القول:«أنا لا أنتمي الى مقعد بل انتمي إلى وطن».
هل من علاقة بين اصدار الفيلم في هذا التوقيت والإعداد للمشاركة في أيام قرطاج السينمائيّة؟
ـ لا اطلاقا، وستكشف لكم الأيام انّ النيّة من اصداري لهذا الفيلم لا علاقة  لها بالمهرجانات ولا بافتتاحها ولا باختتامها، فأنا لم تعد تعنيني التتويجات لأنّي وببساطة حصلت على أول تانيت ذهبي في تاريخ تونس وذلك سنة 1972، أما اليوم فكل الآفاق مسدودة، فالأفلام التونسية والعربية لم يعد مرغوب فيها ولم يعد لنا مكان لا في المهرجانات ولا في التمويل الخارجي لأنّ سينما العالم احتلت العالم.. انّ الأفق الوحيد اليوم هو ان يعيش فيلمك لا ان يظلّ رهين الرّفوف.
لماذا كل هذا التشاؤم والألم من واقع السينما التونسيّة؟
ـ بطبيعة الحال ومن واقع السينما العربية ككلّ.. لأنّ الآفاق سدت كما ذكرت آنفا، وعلى وزارة الثقافة ان تستفيق قليلا،، وهنا أتساءل اين هي قاعات السينما؟ اين دور الإعلام في التعريف بجديد السينما التونسية واين الدعاية والدّعم للمنتوج التونسي.
في رصيدك الفنّي 5 أفلام طويلة و20 فيلم قصير ألا يعتبر العدد ضئيلا مقارنة بسنوات عملك في مجال السينما التي امتدت طيلة 37 سنة؟
ـ الفائدة ليست في الكمّ بل في الكيف، كما افيدكم انّي كنت من المغضوب عليهم في العهد البائد حيث اني لم اتحصّل ولو على دعم واحد لأفلامي وهذا موثّق، ان الطريقة التي عوملت بها طيلة الـ37 سنة من العمل في مجال السينما لا يمكن وصفها سوى«بالعيب» ولست بضحية ولا من المتباكين فأنا اذكر انتاج فيلم «رقصة الريح» كاد يكلفني منزلي وفي النهاية وجدت شريكا ألمانيا وانتجنا الفيلم الذي كلفنا 150 مليونا.
«عرس القمر»، «أهل الشرارة»، «رقصة الرّيح»، «ظلّ الأرض» كلها عناوين تحاكي الواقع وبعيده عن الخيال السينمائي، عناوبن من الطبيعة والى الطبيعة؟
ـ العنوان مسؤولية قبل كل شيء، وله علاقة بالموضوع وهنا استحضر انّ الفيلسوف «قاستون بشلار» كتب عن العناصر الأربعة وهي الماء والهواء والتراب والنار وهي عناصر الحياة، من جهة أخرى اعتقد انّ جمالية سينما الطيب الوحيشي تنبع من الفضاءات لأني أؤمن بسينما الفضاء والمراوحة بين الخيال والواقع.
في الفيلم احتفيت بالفنّ التشكيلي وأبرزته سواء من خلال اللوحات أو المنقوشات في منزلك ايضا نرى الفنّ التشكيلي في كل مكان فما هي نوعية هذه العلاقة؟
ـ الفنّ بصفة عامّة من شعر وموسيقى ورسم هو غذاء يومي بالنسبة لي وصدقا هو ثروتي الوحيدة اضافة الى حبي للسفر واللقاءات الفكرية.
لماذا اعتمدت على شابّ أجنبي لبطولة فيلم «طفل الشمس»؟
ـ لأنّي أجريت «كاستينغ» لأكثر من شابّ تونسي ولم أجد الملامح التي أحتاجها، الملامح الأوروبّية الافريقيّة ولو احتاج فيلمي «برادبيت» سأقوم بدعوته.
ما الغاية من اعتماد تقنية الفلاش باك في اكثر من مناسبة؟
ـ لأنّ هناك عودة الى الوراء الى الذكريات فكان لابدّ من «الفلاش باك» اضافة الى انّ التصوير وقع في مكان ضيّق وهذه التقنية سمحت لنا بالانتقال الى فضاءات أرحب.
اجتنبت في أحد جزئيّات الفيلم ذكر رقمين مهمّين في تاريخ تونس وهما 7 و21 هل كان ذلك مقصودا؟
ـ صدقا لم انتبه لذلك، وأنا سعيد بهذه الملاحظة لأنّي فعلا لم أقصد ذلك بل كان الأمر عفويا...

حاورته: سناء الماجري